مقدمة: فخ المساواة 50/50
في محادثات لا حصر لها حول العالم، يطرح الأزواج السؤال التالي: "هل نتقاسم المهام بالتساوي؟". قد يقوم هو بغسل الأطباق وتقوم هي بالطبخ. قد يتولى هو مهام الحديقة وتتولى هي الغسيل. على الورق، قد يبدو الأمر متساويًا، 50/50. لكن لماذا، على الرغم من هذه "المساواة" الظاهرية، لا يزال أحد الطرفين (غالبًا المرأة) يشعر بالإرهاق والاستنزاف؟ الإجابة تكمن في أننا نطرح السؤال الخطأ. القضية ليست "المساواة" (Equality)، بل العدالة الجندرية في توزيع أدوار الأسرة (Gender Equity).
كباحثين في علم الاجتماع، نرى أن التركيز على تقسيم المهام المادية يغفل الجزء الأكبر والأكثر إرهاقًا من إدارة المنزل: العمل غير المرئي. في هذا التحليل، سنتجاوز فخ الـ 50/50 لنغوص في مفهوم العدالة الأعمق، وسنكشف عن الأعباء الخفية مثل "العبء الذهني" و"العمل العاطفي"، ونستكشف كيف أن تحقيق شراكة عادلة حقًا يتطلب إعادة هيكلة كاملة للتوقعات والأدوار.
العمل غير المرئي: تشريح العبء الحقيقي
لتحقيق العدالة، يجب أولاً أن نجعل العمل غير المرئي مرئيًا. هذا العمل له ثلاثة أبعاد رئيسية تتشابك معًا لتشكل عبئًا هائلاً.
1. الوردية الثانية (The Second Shift)
هذا هو المفهوم الكلاسيكي الذي صاغته عالمة الاجتماع آرلي هوخشيلد. إنه يشير إلى الساعات الطويلة من الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال التي يقوم بها أحد الشريكين بعد انتهاء يوم عمله "الرسمي" المدفوع الأجر. حتى لو تقاسم الشريكان بعض هذه المهام، فإن السؤال يبقى: من الذي لا يزال يتحمل الجزء الأكبر؟
2. العبء الذهني (The Mental Load)
هذا هو البعد الأكثر خبثًا وإرهاقًا. العبء الذهني ليس "فعل" الأشياء، بل "تذكرها وتخطيطها وتفويضها". إنه عمل المدير التنفيذي للأسرة: من يتذكر أن الحليب على وشك النفاد؟ من يخطط لوجبات الأسبوع؟ من يحدد مواعيد الطبيب؟ من يشتري هدية عيد ميلاد ابن العم؟ هذا العمل لا يتوقف أبدًا، وهو الذي يستهلك المساحة العقلية ويؤدي إلى الإرهاق، حتى لو لم يكن الشخص يقوم بأي عمل جسدي.
3. العمل العاطفي (Emotional Labor)
كما ناقشنا بالتفصيل في تحليلنا لـالتوازن العاطفي في العلاقات الزوجية، هذا هو الجهد المبذول لإدارة مشاعر الأسرة. إنه تهدئة طفل غاضب، والحفاظ على علاقات جيدة مع الأقارب، والتأكد من أن الجميع "بخير". هذا العمل، الذي يُتوقع اجتماعيًا أن تقوم به النساء، هو جزء أساسي من الحفاظ على تماسك الأسرة ولكنه نادرًا ما يُعترف به كـ "عمل".
لماذا يستمر الخلل؟ الجذور الاجتماعية للظاهرة
إن التوزيع غير العادل لهذه الأعباء ليس نتيجة لخيارات فردية سيئة، بل هو نتاج عميق لـأدوار الجنسين التي تم غرسها فينا عبر التنشئة الاجتماعية. لقد تم تدريب أجيال من النساء على أن يكنّ "مديرات" للمنزل، وأن يستشعرن احتياجات الآخرين بشكل استباقي. في المقابل، غالبًا ما يتم تدريب الرجال على أن يكونوا "منفذين" للمهام عند الطلب، دون أن يُتوقع منهم تحمل مسؤولية التخطيط والإدارة. هذا يخلق ديناميكية "المدير والموظف" داخل الزواج، بدلاً من "الشريكين المؤسسين".
من المساواة إلى العدالة: نقلة نوعية في التفكير
إن الانتقال نحو علاقة أكثر إنصافًا يتطلب تغييرًا في العقلية من المساواة إلى العدالة.
- المساواة (Equality): تعني أن يحصل الجميع على نفس الشيء (تقسيم المهام 50/50). قد يبدو هذا عادلاً، لكنه يتجاهل حقيقة أن أحد الطرفين قد يكون لا يزال يقوم بـ 100% من العبء الذهني.
- العدالة (Equity): تعني أن يحصل كل شخص على ما يحتاجه ليكون ناجحًا. في سياق الأسرة، هذا يعني الاعتراف بكل أنواع العمل (المادي، الذهني، العاطفي) وتوزيع المسؤولية عنها بطريقة تبدو عادلة لكلا الشريكين، بناءً على مهاراتهما، ووقتهما، ورغباتهما.
جدول مقارن: المساواة مقابل العدالة في الممارسة
يوضح هذا الجدول الفرق العملي بين النموذجين في المهام اليومية.
المهمة | نموذج المساواة (تقسيم التنفيذ) | نموذج العدالة (تقسيم المسؤولية) |
---|---|---|
وجبات الأطفال | تقول هي: "هل يمكنك إطعام الأطفال الليلة؟". فيقوم هو بإطعامهم. (هي خططت، هو نفذ). | أحد الشريكين مسؤول بالكامل عن وجبات الأطفال في أيام معينة: التخطيط، الشراء، الطهي، والتنظيف. |
التخطيط للإجازة | تقوم هي بكل البحث والمقارنة والحجز، ثم تطلب منه المساعدة في حزم الحقائب. | يتفقان على أن أحدهما سيتولى مسؤولية إجازة الصيف بالكامل، والآخر سيتولى إجازة الشتاء. |
العبء الذهني | يظل في الغالب على عاتق شخص واحد، الذي يقوم بتفويض المهام باستمرار. | يتم توزيع "ملكية" مجالات كاملة من الحياة الأسرية، مما يوزع العبء الذهني. |
خاتمة: العدالة كمشروع للشراكة الحقيقية
إن تحقيق العدالة الجندرية في توزيع أدوار الأسرة ليس هدفًا سهل المنال. إنه يتطلب حوارًا مستمرًا، وشجاعة للاعتراف بالأنماط غير الواعية، واستعدادًا للتخلي عن الامتيازات. إنه تحول من "مساعدة" الشريك إلى "مشاركته" بالكامل في المشروع المشترك المسمى "الأسرة". في عالم تسود فيه القيم ما بعد الحداثية التي تؤكد على المساواة وتحقيق الذات، لم يعد التوزيع العادل للأعباء مجرد خيار، بل أصبح شرطًا أساسيًا لبقاء العلاقات وازدهارها.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
ألا يفترض هذا أن جميع الأزواج من جنسين مختلفين؟ ماذا عن الأسر المثلية؟
هذا سؤال ممتاز. بينما تركز الكثير من الأبحاث على الأزواج من جنسين مختلفين بسبب جذور المشكلة في التنشئة الجندرية التقليدية، تظهر الدراسات على الأسر المكونة من نفس الجنس أنها غالبًا ما تظهر أنماطًا أكثر مساواة وعدلاً في توزيع المهام، لأنها لا تخضع لنفس التوقعات الجندرية المسبقة. هذا يثبت أن المشكلة ثقافية واجتماعية وليست بيولوجية.
أنا رجل وأريد أن أكون شريكًا أكثر عدلاً، لكنني لا أعرف من أين أبدأ.
الخطوة الأولى هي الانتقال من عقلية "المنفذ" إلى عقلية "المالك". بدلاً من أن تسأل "ماذا يمكنني أن أفعل للمساعدة؟"، اختر مجالاً كاملاً من مسؤولية الأسرة (مثل علاقة الأطفال بالمدرسة، أو صيانة السيارة، أو التخطيط لوجبات نهاية الأسبوع) وتولى مسؤوليته بالكامل، من التخطيط إلى التنفيذ.
هل يمكن أن يكون هناك تقسيم "عادل" للأدوار ولكنه ليس متساويًا؟
نعم، وهذا هو جوهر العدالة. قد يتفق الشريكان على أن أحدهما سيتولى 70% من رعاية الأطفال بينما يركز الآخر على 70% من كسب الدخل، إذا كان هذا القرار مشتركًا، ومُقدّرًا من الطرفين، ويشعران بأنه عادل ومنصف لظروفهما الحالية. العدالة تتعلق بالاتفاق المتبادل والرضا، وليس بالأرقام المطلقة.