لماذا نشعر بوخزة من الرضا عندما نحصل على "لايك" على منشور في فيسبوك؟ لماذا نبذل جهدًا إضافيًا لنكون جزءًا من مجموعة معينة؟ ولماذا يؤلمنا الرفض الاجتماعي بشدة، أحيانًا أكثر من الألم الجسدي؟ إذا كانت الدوافع البيولوجية (مثل الجوع والعطش) هي "العتاد" (Hardware) الذي يبقينا على قيد الحياة، فإن هناك مجموعة أخرى من المحركات القوية التي تعمل كـ "برنامج" (Software) يوجه حياتنا الاجتماعية: الدوافع الاجتماعية (Social Motives).
هذا المقال هو رحلة إلى غرفة المحرك النفسي والاجتماعي للإنسان. نحن لا نصف فقط "ماذا" نفعل، بل نسأل السؤال الأعمق: "لماذا" نفعله؟ سنستكشف الدوافع الأساسية التي لا يمكن إشباعها إلا من خلال الآخرين، وكيف أنها تشكل بصمت كل شيء من أبسط تفاعلاتنا إلى أعقد قراراتنا.
ما هي الدوافع الاجتماعية؟ تعريف يتجاوز الرغبات البسيطة
الدوافع الاجتماعية هي حاجات نفسية أساسية تدفعنا إلى إقامة علاقات مع الآخرين والتصرف بطرق معينة داخل السياقات الاجتماعية. على عكس الدوافع البيولوجية، التي تهدف إلى البقاء الجسدي، تهدف الدوافع الاجتماعية إلى البقاء النفسي والاجتماعي. إنها المحركات التي تجعلنا كائنات اجتماعية بامتياز.
لقد حدد علماء النفس الاجتماعي وعلماء الاجتماع عددًا من الدوافع الأساسية، لكن يمكن تلخيص أهمها في أربعة محركات رئيسية تشكل "بوصلتنا" الاجتماعية.
"البوصلة الرباعية": الدوافع الاجتماعية الأساسية الأربعة
1. دافع الانتماء (The Need to Belong)
هذا هو الدافع الاجتماعي الأقوى والأكثر جوهرية. نحن كائنات قبلية بطبيعتها. بالنسبة لأسلافنا، كان الانتماء إلى مجموعة يعني الحماية والموارد والبقاء. الطرد من المجموعة كان حكمًا بالإعدام. هذا الإرث التطوري جعل حاجتنا إلى علاقات مستقرة وإيجابية دافعًا أساسيًا. هذا الدافع هو الذي يفسر قوة:
- الامتثال الاجتماعي: نحن نوافق المجموعة لنتجنب الرفض ونضمن قبولنا.
- الهوية الاجتماعية في الجماعات: نحن نستمد جزءًا كبيرًا من إحساسنا بالذات من المجموعات التي ننتمي إليها.
2. دافع الفهم المشترك والتحكم (The Need for Shared Understanding and Control)
العالم مكان معقد وغامض. لدينا دافع قوي لتقليل هذا الغموض وجعل العالم قابلاً للفهم والتنبؤ. لا يمكننا تحقيق ذلك بمفردنا. نحن نعتمد على الآخرين لبناء "واقع مشترك". هذا الدافع هو الذي يجعلنا:
- نعتمد على المعايير الاجتماعية: إنها توفر لنا نصوصًا جاهزة لكيفية التصرف في المواقف المختلفة.
- نكوّن المعتقدات المشتركة: عندما يشاركنا الآخرون معتقداتنا، نشعر بأن فهمنا للعالم صحيح ومستقر.
- نسعى للتحكم في بيئتنا: الشعور بأننا نستطيع التأثير على ما يحدث لنا ولجماعتنا هو حاجة أساسية للصحة النفسية.
3. دافع تعزيز الذات والتقدير (The Need for Self-Enhancement and Esteem)
لدينا حاجة فطرية للشعور بالرضا عن أنفسنا. في السياق الاجتماعي، هذا لا يعني فقط تقديرنا لذواتنا الفردية، بل أيضًا تقديرنا لذواتنا كأعضاء في جماعات مرموقة. هذا الدافع هو المحرك وراء:
- السعي وراء المكانة الاجتماعية: نحن نسعى للحصول على الاحترام والهيبة من الآخرين.
- إدارة الانطباع: نحن ندير بعناية الشخصية الاجتماعية التي نقدمها للعالم لنظهر في أفضل صورة ممكنة.
- محاباة الجماعة الداخلية: نحن نميل إلى رؤية جماعتنا على أنها أفضل من الجماعات الأخرى لتعزيز تقديرنا لذاتنا.
4. دافع الثقة (The Need to Trust)
الثقة هي العملة الصامتة للمجتمع. لدينا دافع أساسي لرؤية العالم، وخاصة عالمنا الاجتماعي، كمكان آمن وخيّر بشكل عام. بدون درجة أساسية من الثقة في الآخرين (الثقة في أن السائقين الآخرين سيتوقفون عند الإشارة الحمراء، الثقة في أن طعامنا ليس مسمومًا)، ستكون الحياة الاجتماعية مستحيلة ومليئة بالقلق. هذا الدافع هو الذي يسمح بالتعاون، والتبادل الاقتصادي، والعلاقات طويلة الأمد.
| الدافع | السؤال الأساسي الذي يجيب عليه | النتيجة الإيجابية | الجانب المظلم المحتمل |
|---|---|---|---|
| الانتماء | "هل أنا مقبول من الآخرين؟" | التضامن، الدعم الاجتماعي، التعاون. | الامتثال الأعمى، الخوف من الاختلاف. |
| الفهم والتحكم | "هل أفهم ما يحدث حولي؟" | القدرة على التنبؤ، الشعور بالفعالية. | الصور النمطية، مقاومة الأفكار الجديدة. |
| تعزيز الذات | "هل أنا جيد/ذو قيمة؟" | الطموح، الإنجاز، الثقة بالنفس. | الغطرسة، النرجسية، التحيز ضد الآخرين. |
| الثقة | "هل يمكنني الاعتماد على الآخرين؟" | التعاون، الانفتاح، انخفاض القلق. | السذاجة، التعرض للاستغلال. |
خاتمة: نحن كائنات مدفوعة اجتماعيًا
الدوافع الاجتماعية هي الخيوط غير المرئية التي تحركنا على مسرح الحياة. إنها تفسر لماذا نتصرف أحيانًا بطرق تبدو غير "عقلانية" من منظور اقتصادي بحت. نحن لا نسعى فقط لتعظيم مكاسبنا المادية، بل نسعى باستمرار لإشباع حاجاتنا العميقة للانتماء، والفهم، والتقدير، والثقة.
إن فهم هذه الدوافع يمنحنا مفتاحًا لفهم السلوك البشري على مستوى أعمق. إنه يوضح أن العديد من المشاكل الاجتماعية، من التحيز إلى الصراع، ليست مجرد نتيجة لـ "الطبيعة البشرية السيئة"، بل هي غالبًا الجانب المظلم لدوافع إيجابية في جوهرها. من خلال إدراك هذه المحركات الخفية في أنفسنا وفي الآخرين، يمكننا أن نبدأ في توجيهها نحو نتائج أكثر بناءة وتعاونًا.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
هل هذه الدوافع فطرية أم مكتسبة؟
يعتقد معظم الباحثين أنها مزيج من الاثنين. هناك أساس فطري تطوري قوي لهذه الدوافع (حيث أنها ساعدت على بقاء الجنس البشري)، ولكن الطريقة المحددة التي نعبر بها عن هذه الدوافع وكيفية ترتيب أولوياتها تتشكل بشكل كبير من خلال ثقافتنا وتنشئتنا الاجتماعية.
كيف أثرت وسائل التواصل الاجتماعي على دوافعنا الاجتماعية؟
لقد قامت بتضخيمها بشكل هائل، خاصة دافعي الانتماء وتعزيز الذات. أصبحت "اللايكات" و "المتابعات" مقاييس رقمية فورية للقبول والتقدير الاجتماعي، مما يمكن أن يخلق قلقًا مستمرًا حول صورتنا الاجتماعية.
ماذا يحدث عندما لا يتم إشباع هذه الدوافع؟
عدم إشباع الدوافع الاجتماعية يمكن أن يؤدي إلى مجموعة واسعة من المشاكل النفسية والاجتماعية، بما في ذلك الشعور بالوحدة، والاكتئاب، والقلق، والعزلة الاجتماعية، وحتى العدوانية. الشعور بالرفض الاجتماعي ينشط نفس مناطق الدماغ التي ينشطها الألم الجسدي.
هل هناك دافع اجتماعي أهم من الآخرين؟
يعتبر العديد من علماء النفس الاجتماعي أن دافع الانتماء هو الأكثر جوهرية. يجادلون بأن الدوافع الأخرى (مثل الفهم والتقدير) تخدم في النهاية الهدف الأسمى المتمثل في الحفاظ على علاقاتنا الاجتماعية وضمان مكانتنا داخل المجموعة.
