📊 آخر التحليلات

الإعلام والحركات الاجتماعية: هل يغذي الثورة أم يخمدها؟

متظاهر يحمل هاتفًا يصور به الحدث، وتظهر الصورة على شاشات تلفزيون عملاقة في الخلفية، ترمز إلى العلاقة بين الإعلام والحركات الاجتماعية.

في عام 1960، كانت حركة الحقوق المدنية في أمريكا بحاجة لسنوات لتصل رسالتها إلى الجمهور. في عام 2011، احتاجت الثورة المصرية إلى 18 يومًا لتغيير النظام، بفضل التغطية الإعلامية المكثفة. واليوم، يمكن لهاشتاج واحد أن يطلق حركة عالمية في ساعات. العلاقة بين الإعلام والحركات الاجتماعية هي علاقة حياة أو موت. بدون إعلام، تظل الحركة صرخة في وادٍ، ومع الإعلام، يمكن أن تصبح زلزالًا يغير التاريخ.

هذا المقال هو تحليل سوسيولوجي لهذه العلاقة المعقدة والمتوترة. كيف تستخدم الحركات الاجتماعية الإعلام لنشر رسالتها؟ وكيف يمكن للإعلام (التقليدي والرقمي) أن يكون حليفًا قويًا أو عدوًا لدودًا يشوه الحقائق ويخمد الحماس؟

الأكسجين الإعلامي: لماذا تحتاج الحركات إلى الإعلام؟

الحركات الاجتماعية، بطبيعتها، هي محاولات من قبل مجموعات لا تملك السلطة لتحدي من يملكونها. لكي تنجح، تحتاج إلى ثلاثة أشياء يوفرها الإعلام:

  • التأطير (Framing): القدرة على تعريف المشكلة وتحديد المسؤول عنها. الإعلام هو المنصة التي تقول فيها الحركة: "هذا ليس قضاءً وقدرًا، هذا ظلم، وهذا هو المسؤول".
  • التعبئة والحشد: كما رأينا في الإعلام الجديد والتغير الاجتماعي، يوفر الإعلام أدوات سريعة وفعالة لدعوة الناس للمشاركة في الاحتجاجات.
  • الشرعية: الظهور في الإعلام يمنح الحركة اعترافًا بوجودها وبأهمية قضيتها. التجاهل الإعلامي هو حكم بالموت على أي حركة.

صراع الروايات: الإعلام التقليدي vs الإعلام البديل

تواجه الحركات الاجتماعية معضلة مع الإعلام التقليدي (التلفزيون والصحف الكبرى)، الذي غالبًا ما يكون مملوكًا للدولة أو لشركات كبرى متحالفة مع السلطة. هذا الإعلام يميل إلى:

  • نموذج الاحتجاج (Protest Paradigm): التركيز على العنف والفوضى وتعطيل المرور، بدلاً من التركيز على مطالب الحركة وأسبابها. هذا يشوه صورة الحركة وينفر الجمهور منها.
  • التهميش: تجاهل الحركات الصغيرة أو الراديكالية واعتبارها غير مهمة.

في المقابل، لجأت الحركات إلى "الإعلام البديل" (السوشيال ميديا، المدونات) لكسر هذا الحصار. هنا، يصبح كل ناشط مراسلاً، وكل هاتف محطة بث. هذا سمح ببروز أصوات جديدة، مثل المشاركة النسوية في الحركات الاجتماعية التي وجدت في الفضاء الرقمي منبرًا حرًا.

تأثير "المنطق الإعلامي" على الحركات

لكي تنجح الحركات في عصر الإعلام، تضطر أحيانًا لتغيير تكتيكاتها لتناسب "المنطق الإعلامي" (Media Logic):

  • الإثارة البصرية: الإعلام يحب الصور القوية. لذا، تميل الحركات لتنظيم احتجاجات "فوتوجينيك" (جذابة بصريًا)، واستخدام رموز وشعارات لافتة للنظر.
  • الشخصنة: الإعلام يفضل القصص الفردية على التحليل الهيكلي. لذا، تبرز الحركات "رموزًا" أو "أيقونات" (مثل غريتا تونبرغ) لتمثيل القضية، مما قد يختزل تعقيد الحركة في شخص واحد.
  • السرعة والاختصار: في عصر ثقافة الصورة والفيديو القصير، تضطر الحركات لتبسيط رسائلها لتناسب مقاطع تيك توك وتغريدات تويتر، مما قد يؤدي إلى تسطيح القضايا المعقدة.
مقارنة استراتيجيات الإعلام للحركات الاجتماعية
الجانب الاعتماد على الإعلام التقليدي الاعتماد على الإعلام الجديد
التحكم في الرسالة منخفض (يتحكم فيه المحررون). عالٍ (ينشره النشطاء مباشرة).
الجمهور المستهدف واسع وعام (الرأي العام). محدد وشبكي (المتعاطفون والشباب).
التكلفة عالية (علاقات عامة، مؤتمرات). منخفضة جدًا.
المخاطر التشويه والتجاهل. الاستقطاب، المعلومات المضللة، والرقابة الرقمية.

خاتمة: معركة السردية

في النهاية، الحركات الاجتماعية هي معارك حول "السردية" (Narrative). من يملك القصة الأقوى؟ من يستطيع إقناع الجمهور بأن التغيير ضروري وممكن؟ الإعلام هو ساحة هذه المعركة وأداتها في آن واحد.

النجاح لا يعتمد فقط على عدالة القضية، بل على ذكاء الحركة في استخدام الإعلام، وقدرتها على بناء تحالفات إعلامية، ومرونتها في التنقل بين الشارع والشاشة. في عصر المعلومات، الثورة التي لا تُبث (أو لا تُغرد)، كأنها لم تحدث.

الأسئلة الشائعة (FAQ)

هل يمكن للإعلام أن يصنع ثورة من العدم؟

لا. الإعلام يمكنه تسريع وتضخيم السخط الموجود بالفعل، لكنه لا يستطيع خلق أسباب الثورة (الفقر، الظلم، الفساد) إذا لم تكن موجودة. إنه "عود الثقاب"، لكن المجتمع يجب أن يكون "حطبًا جافًا" لكي يشتعل.

كيف تتعامل الأنظمة القمعية مع الإعلام الجديد؟

تطورت أساليبها من الحجب الكلي (قطع الإنترنت) الذي ثبت عدم جدواه وتكلفته العالية، إلى أساليب أكثر خبثًا: إغراق الشبكات بالمعلومات المضللة، استخدام الجيوش الإلكترونية لتشويه النشطاء، والمراقبة الرقمية الدقيقة.

ما هو دور الصحفي في تغطية الحركات الاجتماعية؟

يواجه الصحفي تحديًا أخلاقيًا: هل يكتفي بنقل الحدث بموضوعية باردة، أم ينحاز لقيم العدالة والحرية؟ في الحركات الاجتماعية الكبرى، غالبًا ما تتلاشى خطوط الحياد، ويصبح الصحفي شاهدًا وموثقًا للتاريخ، وأحيانًا هدفًا للقمع.

هل السوشيال ميديا تجعل الحركات الاجتماعية أقل استقرارًا؟

نعم، إلى حد ما. السهولة في الحشد تعني أيضًا السهولة في التفرق. الحركات التي تعتمد فقط على السوشيال ميديا قد تفتقر إلى الهيكل التنظيمي الصلب والقيادة الواضحة اللازمة للتفاوض وتحقيق مكاسب سياسية طويلة الأمد، وهو ما يُعرف بـ "هشاشة الحركات الرقمية".

Ahmed Magdy
Ahmed Magdy
مرحبًا، أنا أحمد مجدي، باحث حاصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع. أجمع بين خبرتي الأكاديمية وشغفي بالتدوين وتبسيط المعرفة، وأوظف الأدوات الرقمية والبحث العلمي لتقديم محتوى عميق وميسر في القضايا الاجتماعية والمجالات التقنية.
تعليقات